الحزام الناري والألم العصبي المصاحب لالتهاب فايروس الهربس النطاقي
- د إسماعيل البابللي
- 15 أبريل 2020
- 5 دقائق قراءة
الحزام الناري مصطلح نطلقه على الألم العصبي المصاحب لالتهاب الجلد بفيروس فاريسيلا والمسمى علميا بالهربس النطاقي والذي يكون بسبب عودة ثوران فيروس الهربس من النوع الأول (فيروس الهربس الشائع غير الجنسي) والذي يظل كامنا في العقد العصبية لسنوات طويلة بعد الإصابة الأولى له والتي تسبب عند حدوثها لأول مرة جدري الماء (العنقز).


يظهر طفح الهربس النطاقي على شكل يشبه الطفح الجلدي لجدري الماء ولكنه يتميز بأنه يتبع نطاقا ثابتا لتوزيع عصبي محدد لجذر عصبي أو أكثر. ولذلك يظهر وكأنه حزام على الصدر والظهر لأن الجذور العصبية تغذي نطاقا حسيا ثابتا في جهة واحدة تشبه في توزيعها نصف حزام على جانب الصدر. وقد يصيب أحيانا نطاقا حسيا لعصب في مكان آخر في الوجه أو الأطراف.
هذا الالتهاب الجلدي لوحده لا يسبب ألما عادة ولا نسميه بالحزام الناري إلا عندما يصاحبه ألم.
وكما ذكرت فإن مجرد الطفح الجلدي بسبب الهربس النطاقي لا يصاحبه ألم في أغلب الحالات ولكن يزداد احتمال تطوره للحزام الناري المؤلم مع تقدم العمر.
وتتفق معظم الدراسات على أن الحزام الناري نادر عند الأطفال. أما في البالغين الذين تقل أعمارهم عن 60 عامًا والذين يصابون بالهربس النطاقي ، تقدر احتمالية حصول الحزام الناري بحدود 2 في المائة.
أما أفضل البيانات من الدرسات المتوفرة بخصوص الإصابة عند المرضى المسنين تأتي من الذراع الوهمي لتجربة عشوائية كبيرة أقيمت على التطعيم ضد فيروس الهربس النطاقي فاريسيلا. ففي 334 مريضًا تتراوح أعمارهم بين 60 و 69 عامًا والذين أصيبوا بالفعل بطفح الهربس النطاقي وتمت متابعتهم بمتوسط 3.1 عامًا ، حدث لديهم الحزام الناري في 6.9 في المائة. وعلى جانب آخر ، حدث الحزام الناري في 18.5 في المائة من بين 308 مرضى في سن 70 عامًا أو أكثر أصيبوا بالهربس النطاقي.
غالبًا ما يسبب الحزام الناري ألما متواصلا لا يتوقف أبدًا بعد نوبة حادة من الهربس النطاقي. ومع ذلك فإنه نادرًا ما تستمر أعراض الحزام الناري لعدة أشهر وأندر من ذلك إلى سنوات بعد بدايته الأولى وحتى في أغلب الناس الذين يتحول لديهم الهربس النطاقي إلى الحزام الناري فإنهم يتعافون في أشهر قليلة وتبقى نسبة قليلة جدا يتحول لديهم ألم الحزام الناري إلى ألم مزمن يستمر لسنوات.
بعد إصابة المريض بالحزام الناري يكون الألم في أشده في بدايته ومن ثم يبدأ العصب المصاب أو المنطقة العصبية المصابة بالتشافي الذاتي التدريجي في وتيرة متفاوتة تستغرق عادة بضعة أشهر تتراوح في طولها عادة بين ثلاثة وستة أشهر في الغالب.
أما الدور العلاجي الذي يقوم به استشاري المخ والأعصاب أو الاستشاري المتخصص في الألم هو مجرد التحكم بهذا الألم الشديد حتى تكتمل عملية التعافي الذاتية للمنطقة العصبية المصابة.
والأمر الذي يجب التركيز عليه في فهم الخطة العلاجية للحزام الناري يتلخص في عدة نقاط مهمة:
ألم الحزام الناري من أشد أنواع الآلام التي يعرفها الإنسان مما قد يفسد على المصاب راحته ونومه وتركيزه وعمله وكل مناشط حياته، فيجب على الطبيب والمريض وعائلته التعامل بحزم وجدية متناهية في التحكم بالألم والالتزام الشديد بالعلاج والمتابعة اللصيقة حتى يحصل الهدف المرجو وهو التحكم الكامل أو شبه الكامل بالألم.
لا يوجد حتى الآن أي دواء أو أي إجراء طبي يسرع في فترة شفاء الحزام الناري. صحيح أن الهربس النطاقي يحتاج لمضاد فيروسي ولكن كل المحاولات الطبية لعلاج وتسريع تعافي ألم الحزام الناري نفسه أثبتت عدم جدواها وكانت الدراسات العلمية التي أجريت لهذا الهدف سلبية. فلذلك يجب على المريض وعائلته فهم هذا المبدأ المهم وأن الشفاء من ألم الحزام الناري حتى الآن عملية ذاتية وأن تركيز العلاج يجب أن ينصب بشكل كامل على التحكم بالألم حتى يحدث التعافي الذاتي والذي هو الأصل في هذا المرض.
التعافي لا يحدث في طرفة عين ولا في أسابيع ولا في أيام. فيجب على المريض الصبر وإعطاء الوقت الكافي للمتابعة مع الطبيب على علاجات الألم وعدم التسرع بجني النتيجة وعدم التسرع بطلب إيقاف الأدوية التي تتحكم بهذا النوع من الألم. تذكروا قول الله تعالى :(قد جعل الله لكل شيء قدرا)
أدوية التحكم بألم الحزام الناري ليست مسكنات عادية ولكنها أدوية تعمل على خلايا الجهاز العصبي لتعمل على استقرار تدريجي لهذه الخلايا فيزول الألم بالتدريج. ولذلك فيجب رفعها أيضا بالتدريج ومتابعة العيادة بشكل دوري كل يومين أو ثلاثة حتى يصل الطبيب إلى أفضل نتيجة ممكنة والذي قد يحتاج أحيانا إلى استخدام جرعات عالية من عدة أدوية مجتمعة للوصول للتحكم الكامل.
يجب التنويه إلى أن كل الأدوية التي تعمل على استقرار الخلايا العصبية المتهيجة والتي تسبب الألم العصبي الشديد الناتج عن الحزام الناري تنتمي لعوائل أدوية الصرع أو الاكتئاب أو البوتوكس وغيرها من عائلات الأدوية التي تستعمل لعدة استعمالات طبية لأمراض المخ والأعصاب ولا يوجد فيها ما هو بالأصل دواء مخصص للألم. فينبغي عدم الهلع حينما يقرأ المريض أن علاجه الذي صرفه له الطبيب هو علاج صرع أو علاج اكتئاب مثلا.ولتسهيل فهم هذا المبدأ، يجب عليك فهم أن الموصلات العصبية في الدماغ، سواء كانت هرمونات أو بروتينات أو مواد كيميائية ينتجها الدماغ، يعمل كل واحد منها على مستقبلات متعددة في خلايا وأماكن متعددة في الدماغ. فحين تصل المادة العصبية في الدماغ إلى مستقبلها في مكان ما تعمل على التحكم بالمزاج والاكتئاب وفي مكان آخر تتحكم بالشهية وفي مكان ثالث تعمل على الألم وفي مكان رابع تعمل على مستقبلات عصبية أخرى للتحكم بالصرع وهي هي نفس المادة. فإعطاء دواء معين يعمل على هذه المادة يؤثر في الغالب على كل هذه الأمور التي ذكرتها. ومن هنا يجب أن نفهم أنه لا يوجد دواء يستخدم الأطباء للجهاز العصبي اسمه دواء صرع فقط ولا يوجد دواء للمخ للصداع فقط أو للاكتئاب فقط. كل الأدوية التي تعمل على الجهاز العصبي لها دواع طبية متعددة، فيكون الدواء الواحد نفسه دواء مرخص لعلاج الصرع وصداع الشقيقة وآخر مرخص للاكتئاب والصداع وتخفيف الوزن وثالث مرخص لعلاج الصرع والحزام الناري وارتفاع ضغط الرأس وهكذا. وفي الغالب حين يتم الترخيص لدواء ما لأول مرة فإنه يتم الترخيص له لداع طبي واحد وبعد ذلك بسنوات تظهر الدواعي الطبية الأخرى التي يمكن الاستفادة فيها منه. ومع ذلك فيبقى هذا الدواء في الغالب مرتبطا، في النشرات التسويقية الطبية والموجودة في داخل علب الأدوية، بداعي الاستخدام الأول مما قد يسبب سوء فهم للمرضى وهلعا قد يدفعهم لترك العلاج.
ومن الغرائب الطريفة التي لا بد من ذكرها هنا لتعزيز هذا المفهوم مثلا أن دواء مثل دواء جابابنتين لا يزال يشار إليه بأنه دواء للصرع رغم أننا معاشر أطباء المخ والأعصاب لا نستخدمه حاليا للصرع ونستخدمه بشكل رئيسي للداعي الذي تم ترخيصه به لاحقا وهو الآلام العصبية الطرفية.
ومنها أيضا دواء أميتريبتيلين والذي نستخدمه بشكل رئيسي للصداع والآلام العصبية ولا يزال يكتب في نشرته المرفقة في علبته أنه دواء اكتئاب رغم أن الأطباء النفسيين لا يكادون يستخدمونه مطلقا هذه الأيام للدواعي النفسية بسبب ضعف تأثيره ووجود أدوية نفسية أفضل بكثير منه.
ومن أطرف القصص أننا نستخدم جرعة 10 ملغم مرة واحدة مساء من دواء أميتريبتيلين للصداع وحين ذكرت لزميلنا الدكتور رياض الدهام استشاري النفسية أن أحد مرضى صداع الشقيقة رفض استخدامه بحجة أنه دواء اكتئاب ضحك وقال: " لو فيه ذبانة عندها اكتئاب هالجرعة ما تروح منها الاكتئاب"
يستحسن دائما إعطاء المريض دواء ترامادول في فترة إصابته الأولى بألم الحزام الناري بجرعة تكفي للتحكم بالألم لاعتبارين مهمين. أولهما أن الأدوية الأخرى تحتاج وقتا بالعادة حتى تأخذ مفعولها وحتى يصل بها الطبيب للجرعة الكافية. والثاني أن الألم يكون شديدا في بدايته مما قد يستدعي استخدام هذا الدواء لتسكين الألم. وينصح دائما عدم المواصلة على هذا الدواء لفترة تزيد عن أسبوع لعشرة أيام حتى لا يدخل الجسم في الإدمان عليه ويجب دائما أن يكون استخدامه تحت إشراف طبي صارم.
المسكنات التي يمكن صرفها بدون وصفة طبية عادة لا تفيد في هذا النوع من الألم. ومن أمثلتها البنادول والفيفادىل وغيرها من الأدوية المحتوية على الباراسيتامول وكذلك عائلة المسكنات المضادة للالتهاب غير الستيرويدية كالفولتارين والبروفين وأركوكسيا وأمثالها. هذه الأدوية تفيد فقط في حالات الألم الخفيفة وينصح دائما باستشارة طبيب عند حصول ألم الحزام الناري لأخذ العلاجات السليمة.
Comments